تعديل

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2013

مغربي يُفنِّدُ نظريّة داروين..ويكتشف توقفَ الحياة سابقا عن التطوّر


استطاع فريق من الباحثين المُنتمين لعدة دول عالمية والذين يقودهم المغربي عبد الرزاق العلباني، من تحقيق اكتشاف علمي جديد خلال هذه الأيام، وذلك عبر تحطيمهم للنظرية الداروينية فيما يتعلق بالتطور، حيث تعرف هؤلاء على وجود فترة من تاريخ الأرض، لم يحدث فيها أي تطور على الكائنات، وأن هذه الأخيرة توقفت عن الحياة لمدة طويلة من الزمن، بسبب أن الأكسجين، كما يؤكد الاكتشاف الجديد، اختفى تقريبا لمدة مليار سنة، بعدما كان قد ظهر على سطح الأرض سابقا.

هذا الإنجاز الجديد الذي يعود فيه الفضل بشكل كبير للعالم المغربي عبد الرزاق العلباني، أستاذ الفيزياء بجامعة بواتيي الفرنسية، يُعتبر امتدادا لمجموعة من الأبحاث باشرها الفريق العلمي ذاته منذ سنوات، والتي تمكّنت في وقت سابق من سنة 2010، من اكتشاف أحجار بالغابون، تحمل خلايا متطورة تؤشر على وجود حياة متكاملة على كوكب الأرض منذ مليارَيْن ومئة مليون سنة، في وقت كانت كل الأبحاث العلمية التي ظهرت قبل اكتشاف الغابون، تشير إلى أن الكائنات الحية لم تظهر إلا قبل 600 أو 800 مليون سنة.


هذا الاكتشاف دفع فريق العلباني إلى التساؤل:" لماذا ظهرت هذه الحياة المتطورة في هذا الوقت السحيق من عمر الأرض؟ وكيف استطعنا المرور من الخلية الواحدة "البكتيريا" التي ظهرت قبل ثلاثة مِليارات و400 مليون سنة إلى عصر الخلايا المتطورة المكتشفَة بالغابون؟ وهل اختفت هذه الخلايا المتطورة بشكل كلي لقرابة المليار سنة ولم تعد للظهور إلا في ما قبل 800 مليون سنة، التاريخ الذي قالت الأبحاث القديمة إنه زمن ظهور الكائنات الحية؟


هذه الأسئلة الحارقة، دفعت فريق العلباني إلى تكثيف بحثه عن الحقيقة، وحسب ما أسرّ به هذا الباحث المغربي لهسبريس، فقد استطاع الفريق هذه السنة من الوصول إلى الكلمة السحرية التي تحمل الإجابة: الأكسجين. فهذا الأخير الذي أكدت أبحاث قديمة أنه لم يظهر بالشكل الكافي إلا مع ظهور الكائنات الحية قبل 800 مليون سنة، تأكد الفريق من أنه ظهر قبل ذلك، وبالضبط قبل مليارَيْن و400 مليون سنة، التاريخ الذي تعود إليه خلايا الغابون، حيث صعد الأكسجين إلى سطح الأرض بمعدل كاف لحياة الكائنات.


إلا أن الأكسجين لم يبقَ بنفس المستوى، بل عاد للنقصان بدرجة استحال معها بقاء الكائنات الحية، وهو ما يقدم إجابة محورية: أن الحياة على كوكب الأرض، بدأت لمدة لم تستمر بضعة ملايين سنة، وبعد أن قلّ الأكسجين، اندثرت بشكل كلي لمدة مليار سنة، قبل أن يعود الأكسجين بشكل ضعيف لم يسمح بعودة الحياة ويختفي بعد ذلك مرة أخرى، إلى أن عاد بشكل تام قبل 800 مليون سنة، ويُمكّن من ظهور كائنات حية، سيبرز بينها فيما بعد: الكائن البشري.


"بسبب التلوث الذي يمارسه الإنسان ضد الطبيعة، فإن الانتقال إلى عصر قلة أو اندثار الأكسجين سيكون بدرجة أسرع وأخطر، وهناك إمكانيات واسعة لكي ينحدر الأكسجين من مستوى 20% الذي يوجد به اليوم على الأرض إلى مستويات أقل من ذلك بكثير، قد تصير معها الحياة مستحيلة للكثير من الكائنات الحية، وقد يتأثر الإنسان سلبا بذلك إن لم يكن هو كذلك من هذه الكائنات التي ستتوقف عن الحياة" يصرح العلباني لهسبريس، مؤكدا أن هذا المعطى يحتاج لملايين السنوات من أجل الحدوث.


هذا الإنجاز الذي تم نشره في مجلة الأكاديمية العلمية للولايات المتحدة "PNAS "، ينضم إلى سلسلة من الإنجازات التي يحققها باحثون وباحثات من المغرب، فالعلباني الذي ازداد بمراكش، ودرس بفرنسا إلى أن استطاع أن يكون واحدا من الأساتذة الأساسيين بجامعة بواتيي، يقدم مثالا جديدا على قدرة المغاربة التأثير في الخارطة العلمية العالمية، وإثبان أن العلم، لا يمكن أبدا أن يرتدي أعلام بلدان وألوان قارات معينة.

منقول عن : هسبريس

الأحد، 13 أكتوبر 2013

معلومات علمية غريبة جدا جدا !!!



 مملكة النمل

إن النمل هو الحشرة الأكثر عدداً بين الحشرات الإجتماعية ففى أى لحظة من اللحظات يوجد ما لا يقل عن واحد وإلى يمينه 15 صفراً من النمل الحى على الأرض .


 النملة تشم بأرجلها !!!


نعم .. يؤكد بعض علماء الحشرات أن النملة تستطيع أن تهتدى بأرجلها إلى رائحة المكان الذى سبق أن قصدته وتستطيع أيضاً أن تتبين الروائح بمفاصل قرونها ، ولكن إقامة الدليل على هذه المسألة يحتاج مشاهدة دقيقة .

 الضفادع تشرب بجلدها :



تستطيع الضفادع أن تمتص الماء بجلدها .. وتستطيع أن تمتص الماء من ورقة منديل مبللة بالماء .

 الدودة :

لديدان الأرض مقدرة على تجديد أجزائها المفقودة .. فإذا قُسمت الدودة إلى قسمين أو أكثر أثناء مشيها يستطيع كل جزء أن يعيش مستقلاً .. بل وينمو ويعوض الجزء الذى فُقد منه .

 شهادة ميلاد لكل بقرة :



لكل بقرة فى سويسرا شهادة ميلاد وتُسجل فى دفاتر الحكومة كما يُسجل الناس ، وإذا حدث لها حادث تتولى الحكومة التحقيق فيه بالضبط كما يحدث فى حالات الأفراد العاديين .

 لماذا تضرب الغوريللا صدورها ؟

يعتمد هذا على الحال التى تكون فيها الغوريللا .. وقد لا تكون هذه الحركة المثيرة والمخيفة غير ما نفهمها أى التحذير بوجوب إبتعاد الآخرين عنها .. وعندما يغتاظ قائد المجموعة فإنه يقوم بالضرب على صدره براحتيه شبه المغلقتين ثم يهجم ..
ويكون ضرب الصدر أحياناً دليل إرتياح لزوال خطر ما أو وسيلة للإتصال بأفراد المجموعة أو تحذير للمجموعات الأخرى بالإبتعاد عن موارد رزقها .
وتضرب بعض الغوريللا صدورها تعبيراً عن فرحها ونشوتها وفى حديقة الحيوان يمكننا مشاهدة غوريللا صغيرة تميل برأسها إلى الوراء وتضرب صدرها بإبتهاج ونشوة غامرين عندما تفوز على أحد منافسيها أمام أنثاها .


ضابط القرود :

ليس بين القرود فئة أسعد حظاً من قرود جبل طارق التى تعنى بها الحكومة البريطانية لدرجة أنها خصصت لها ضابطاً يشرف على إطعامها وصحتها وراحتها والسر فى ذلك أن هناك أسطورة بين الأهالى فحواها أن إنقراض القرود من جبل طارق بشير بجلاء الإنجليز عنها .

 شخص يعض حية سامة :

عضت حية سامة شخصاً من أهالى جنوب البرازيل فما كان منه إلا أن رد لها العضة بعضة أشد منها فماتت الحية .. ونجا هو من سمها .

 لماذا تاكل التماسيح أولادها ؟

الحقيقة أنها لا تفعل ذلك .. فالأم تأخذ صغارها بين أسنانها وتبدو كأنها تلتهمها إلا أنها تكون فى الواقع تنقلها إلى الشاطئ .. وعلى أثر الجماع تنتقل أنثى تمساح النيل إلى الشاطئ حيث تحفر إلى عمق 20 - 30 سنتيمتراً وتضع بيضها فى الحفرة وتغطيها بالتراب الذى تربته بجسدها وذيلها ثم تحرس العش ولا تفارقه إلا نادراً ..
وتبلغ مدة الحضن هذه 12 أسبوعاً ..
وعندما تفقس التماسيح الصغيرة وتجد أن لا منقذ أمامها للخلاص تُحدث مهرجاناً من الصياح والنقيق فتفتح الأم العش وتأخذ صغارها بين فكيها .. وبعد أن تضع الأم كل صغارها بين فكيها تزحف حيث الأمان فى المياه وتفتح فمها وتطلق أولادها .

 تعاون 

هناك نوع من التعاون الوثيق بين التمساح فى 
النهر وطائر صغير يسمى ( الصرو ) يتطفل على طعامالتمساح إذ يستغرق التمساح فى نوم هادئ على شط النهر ويقف ذلك الطائر الصغير على رأسه ليقوم بدور الرقيب حتى إذا لمح فريسة تقترب من المكان أخرج صفيراً خاصاً من حلقه يتنبه على إثره التمساح ويلطم الفريسة بذيله القوى ويأخذ فى إلتهامها .
وهذه الخدمة يؤديها الصغير للتمساح مقابل أن يلتهم بقايا اللحم التى تتخلف بين أسنان التمساح بعد أن ينتهى من إلتهام فريسته .

أكبر كائن حى :

هو التمساح الأزرق ويصل وزنه إلى 150 طن ووزن لسانه فقط حوالى 2.5 طن - ووزن قلبه وكبده كل منهما 1/2 طن ، وقد يصل طوله فى بعض الأحيان إلى 33.57 متر .

 أكبر الحيوانات المنقرضة :

إشتغل العلماء فى السنين الأخيرة بالبحث عن الحيوانات المنقرضة وإهتدوا إلى بقاياها المتحجرة وقد ركبوا هذه البقايا وعرفوا هياكل هذه الحيوانات وأقاموها فى المتاحف .. ومن هذه الحيوانات واحداً من نوع الزحافات يُدعى بلاسيوسورس وهو أكبر حيوان عُرف حتى الآن يصح أن نطلق عليه مارد الحيوان إذ لا يُعد الفيل إلى جانبه إلا قزماً صغيراً ,, وقد وُجدت بقايا هذا الحيوان من فصيلة الثدييات ( الديناصورات ) فى جنوب أفريقيا وعند تركيب هيكله وُجد أن طوله كان حوالى 33 متراً وإرتفاعه حوالى 14 متراً وكان يتغذى على الأعشاب والنباتات كما دلت على ذلك أسنانه وخلو أقدامه من المخالب وكان يعيش على الأرض بعد العصر النجمى .

 أثقل ضفدع :

أثقل الضفادع وزناً يوجد فى غرب أفريقيا ويزن الواحد منها حوالى 10 أرطال والأهالى فى هذه المنطقة يأكلونها بشراهة لأن لحمها لذيذ .. وأخف الضفادع وزناً يوجد أيضاً فى الغرب الأفريقى ويزن الــ 150ضفدع منها حوالى أوقية واحدة

الخميس، 10 أكتوبر 2013

صور رهيبة للعالم,ملتقطة من الجو ..

                                            تقاطع طرق بمدينة نيويورك الأمريكية
3


                                                  مقاطعة فو ين – فيتنام
4

           بحيرة بركانية في ايسلندا وتعرف بحفرة فيتي  (viti)وتعني بالايسلندية حفرة الجحيم!
5

           شلال Wailua في كاواي احدى جزر ولاية هاواي الأمريكية
tumblr_mrjygoucaC1s4pl3no1_500

ميناء ولونغونغ وهي مدينة ساحلية استرالية تتميز بالمناظر الطبيعية الخلابة
7

مدينة سيدني الاسترالية8

واشنطن/ جسر Deception Pass Bridge
9

المدينة الايطالية varenna
11

صورة أخرى لنفس المدينة
10

العاصمة الروسية موسكو
12

صورة من العاصمة الاوكرانية – كييف
kievaround003-89

جزر المادليف 
16

جزيرة مولوكاي 
Screen Shot 2013-09-26 at 5.08.32 PM

كارولينا الشمالية -الولايات المتحدة
19

جسر قوس قزح … وهو جسر يربط بين مدينة نياجرا الأمريكية ونياجرا الكندية
18

بحيرة كريتر – ولاية اوريجون – الولايات المتحدة الأمريكية 
20







كيف تثير اعجاب الفتيات ...


هذه افضل الوسائل لتجعل الفتاة تفكر بك ولا تنساك .. هذا ليس سحر بل طرق انسانية يمكن لكل انسان ان ينفذها مع من احب قلبه ..

 1- الرجل الذي يكون كريم في عواطفه ويده ويهبها الأمان والحنان .

 2 - اللين في تعامله الرقيق في مشاعره القوي الشخصية بلا غرور الواثق من نفسه .

3 - الذي تشعر وهي معه برجولته وأنوثتها .

. 4 - اذا تحدث تنبهر من أسلوبه وحسن حديثه ولا تمله .

 5 - الذي يدللها ويرويها عشقاً.

6 - الذي يتقن فن النظرات تجاهها.

7 - الذي يقدر احساسها ومشاعرها ويحن عليها وقت حزنها وألمها.

 8 - الذي يستمع لها ويقدر رأيها ويطلب مشاركتها ويحترم رأيها.

9 - الذي في بعض الأمور يفضلها على نفسه

10 - الذي اذا كانت أخطائها بسيطة يسامح ويعفو عنها .

11- الذي يكون غيور عليها بدون تحكم أو تسلط .

12- أن يطرب مسمعها بكلمات دافئة مليئة بالحب والغزل.

13 - أن يحتمل تقلب مزاجها ويشاطرها المزاح والضحك .

14- أن يفرح أذا فرحت ويحزن أذا حزنت ويقف معها سنداً لها.

15- الذي تشعر انه يحتاجها في كل لحظة .

 16- الذي يفتخر بها ويراها في عينه غالية جوهره ثمينة .

17- الذي تهبه عمرها لثقتها به وتعتمد عليه .

 18- الحار في عواطفه الذي تشعر معه دوماً أنه لا يرى غيرها .

 19- الذي يشركها بمعرفة أسراره .

20- الذي ترى دموعه ولا يخفيها عنها .

 21- الذي يشعرها انها ملكت فؤاده وعقله

الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

الحب من منظور نفسي.. سيكولوجيا الاتصال والانفصال

الحب، ما إن نطلق الكلمة حتى يرتجف القلب ويستقيل العقل. وينسحب العلمي والواقعي لمصلحة الخيالي والرومانسي، مما يصعب المعالجة الهادئة لهذه العاطفة الدفاقة التي تسقي جفاف حياتنا رشحا، وتزرع دروبنا وردا، وتشبع جوعنا للتوحد مع الآخر وفيه. و من جهة أخرى لايجوز أن يترك الحب في صحراء الثقافة الإستهلاكية  تنهش من جوهره ومعانيه أحلى ما يميزه عن غيره من المشاعر والأحاسيس الوجودية، إلى درجة جعلت منه مسوقا أساسيا للسلع والمنتجات، ودلال السوق الذي يستدرجنا للشراء أكثر مما يدعونا للعطاء.
ولكن السمة الأساسية لهذا الشعور الجميل هي التمرد، فهو رقيق بقدر ما هو متوحش، وعصي على السجان مهما كان صاحب سطوة، والواقع أنه حير العلم وتجاوز الفلسفة بعدما أنهك الأدب، ولذلك يشعر الباحث الجاد بشيء من المهابة وهو يخوض غمار البحث العقلي في مسألة تأخذ بشغاف القلب وتقاوم الحياد والموضوعية والبرودة العلمية،  ولم أجد حلا لهذه المشكلة إلا المقاربات المتعددة الجوانب التي تحاول الإحاطة بالمحيط، والإبحار مع رغبة دفينة في أن تنكسر السفينة…
 وددت بأن الحب يجمع كله                   فيقذف في قلبي وينفلق الصدر
فلا ينقضي مافي فؤادي من الهوى            ومن فرحي بالحب أو ينقضي العمر
                                            (من ديوان الصبابة ص 27)
وفي الحديث القدسي الذي تتجلى فيه ذات الباري تعالى حبا مطلقا ومحبة مطلقة يقول تعالى:” أنا عند المنكسرة قلوبهم.”
1)_ ولادات الحب في الأسرة:
في هرم ماسلو الشهير الذي يرتب الحاجات الإنسانية، يأتي الحب في الدرجة الثانية بعد الحاجات الفيزيولوجية، فهي بالترتيب من القاعدة إلى القمة:
-       الحاجة إلى الغذاء والكساء والسكن.
-       الحاجة إلى الإنتماء والحب.
-       الحاجة إلى الإحترام والتقدير.
-       الحاجة إلى تحقيق الذات.
ويتوقف الهرم هنا حيث يتوقف عقل الغرب عند محورية الأنا والذات، أما الفلسفة الشرقية عموما و والديانات السماوية فتضيف مفهوما هو في رأيي الأوج الذي يفسر حركية الإنسان منذ الولادة وهو:” الحاجة إلى تجاوز الذات نحو الإرتباط بالمطلق” ، والتعبير عن هذه الحاجة على رقيها وعلوها يبدأ من سنوات الطفولة الأولى، عندما يطلب الطفل ألعابا لاليستمتع باستهلاكها وتملكها فقط وإنما أيضا ليمنحها حبا ورعاية واهتماما، وليؤنسن اللعبة عندما يدخلها في عالمه، ويتعامل معها ككائن يشعر ويحس ويفرح ويتألم، ثم أنه يحطمها ليكتشفها وفي ممارسته لهذه السادية العلمية يؤكد محدوديتها في إشباع رغبته في التواصل مع المعنى الذي أضفاه عليها، ثم تصبح مجرد كائن مستهلك ، فيبحث عن ما هو أغنى وأعلى في مسار نموه النفسي والفيزيولوجي والروحي والمعنوي.
بعد هذه الملاحظة يمكننا أن نتفهم هذا الترتيب للحاجات على أنه حاجة عقلية وعلمية ، من دون أن نعتبره مفسرا لما يحصل في الواقع وهذه هي معضلة العلم التي لن نجد لها حلا، فالعقل البشري لكي يصنع فهما أوالعلم لكي يتمكن من التفسير، يقوم بعزل الظواهر عن حركية الحياة أي عن الواقع ثم يرتبها بشكل يجعلها قابلة للفهم وقابلة للتداول  في حقول العلم والعمل المختلفة ، وينتج عن ذلك انكشاف جزء من الحقيقة واختفاء أجزاء أخرى، ولهذا السلوك العلمي ثمرة عملية مع خسائر معرفية، يفترض بالعمل أن يعوضها عندما يكتشف جوانب قصور النظرية العلمية عن التفسير..وعلى المجالات الأخرى أن تتصدى لها، ولكن بسبب هيبة العلم وغروره فإن تفسيره يهيمن ويتحول المفهوم العلمي إلى كائن سكوني مرجعي، يفسر وبتفسيره يغير ويغيب الطبيعة الحقيقية للظواهر والأشياء …في حالتنا هنا يواكب ماسلو مراحل نمو الإنسان، فيلاحظ أن الطفل يحتاج أولا إلى الغذاء والكساء والسكن فيجعل من هذه الحاجات قاعدة الهرم، لأن الطفل لم يع بعد شعوره بالانفصال عن أمه، والحاجة في العلم لاتسمى حاجة إذا لم يعرفها الوعي، ولكن الحقيقة هي أن الحب الأمومي الناتج عن وعي الام لأول انفصال بينها وبين وليدها هو الباعث الأساسي لسعيها لتأمين الغذاء والكساء والسكن والدواء والحضن الدافيء لطفلها، فهي بحاجة لممارسة اتصالها بوليدها بعد انفصاله، والحب هو الحبل السري الجديد الذي يقف وراء إدرار الحليب وحسن الرعاية وقد اختفى هذا الحب بالنسبة للوليد لفرط ظهوره وإحاطته به تماما كالرحم.. إذا يبقى الحب هو الحاجة الوجودية الأولى للإنسان في كافة مراحل نموه، كل ما في الأمر أن الوعي عندما ينمو فإنه يكتشف هذه الحاجة ويكشفها من دون أن يكون له دخل في إيجادها، ثم أن الوعي يمارس فيما بعد في مرحلة المراهقة والشباب عملية عكسية فهو يقلل من حب الولد لأمه عندما يصبح الإنفصال  ضرورة وجودية لإبراز شخصيته المستقلة، والمفترض بالأم السوية نفسيا أن تسهل عملية الإنفصال هذه لتبرهن على أن حبها لولدها قد نما معه فتحول من حب هو لها إلى حب هو له ومن أجله، وإذا حالت دون ذلك بسبب الأنانية المفرطة وقوة الشخصية، فإنها ستطيل آلام المخاض في هذه الولادة الثانية التي تتمخض عادة عن ولادة الشخصية المستقلة للولد، وتتجلى آلام المخاض الثاني إما بطفولة متمددة لدى الأولاد المتوسطي الذكاء، أو بمراهقة شديدة التوتر مع الأولاد الأذكياء الذين يتمكنون من اكتشاف ثغرات الأهل، وهنا قد يصل التوق والشوق إلى الانفصال  لدى الأولاد إلى حد العقوق والجحود وإنكار حتى البديهيات فتكون أنانية الأهل قد ساهمت في تضخم مرضي لأنانية الولد بدل أن تساهم في نمو طبيعي ومتوازن لشخصيته.
الحب الأمومي إلى هنا له شكلين:
-       سهولة الإتصال من الولادة إلى البلوغ.
-       وسهولة الانفصال بعد البلوغ.
وهنا تتدخل التربية والمعرفة والثقافة والأديان والتقاليد والأعراف لتؤسس لاتصال جديد مع الأهل، مبني هذه المرة لا على الطبيعة والفطرة فقط وإنما أيضا على الثقافة والمعرفة، ويطلب من الوعي هنا أن يعيد ترتيب العلاقة بشكل يمنع الإفراط في الانفصال(إلى حد العقوق) أو الإفراط في الاتصال إلى حد الاعتماد الكامل على الأهل (تمدد الطفولة). وما أنجزته الطبيعة بسهولة في فترة الطفولة، على الوعي أن  ينجزه بصعوبة في فترة البلوغ والرشد.
ومن هنا ترتسم معالم الحب البشري وأنواعه، فكما تلد الأم أولادها، يلد الحب الأمومي أنواع الحب البشري، وعلينا أن لا نهمل  ” الحب الأبوي” الذي يعتبر حبا قائما على المعايير والصفات، فالأب يمنح عطفه الحقيقي للأولاد الذين يجد فيهم استعدادا لمواجهة تحديات الحياة، وإذا كان شديد الذاتية فإنه يريد من الولد أن يكون تكرارا له أو امتدادا له ولا يتقبل بسهولة أن يكون الولد إضافة عليه، أما إذا كان ضعيف الأبوة فسنجد أنه سيحب من يريحه من الأولاد، والولد الموهوب يعاني مع أب من هذا النوع لأن الولد الموهوب حساس ومتطلب، وإذا كان أبا سويا، فسنجد أنه سيوزع اهتمامه بعدالة بغض النظر عن مشاعره وسيرغب من صميم قلبه أن يضيف الأبناء إليه ما لم يكن فيه، وسيسهل جهد الولد لتكوين شخصيته المستقلة من دون إسراف في التدخل في المرحلة التي يشعر معها أن السيطرة السلطوية البحتة أصبحت ضعيفة الأثر أو تعطي أثرا معاكسا.
وبتعبير آخر إذا كانت الأم “ولادة”  في الحب، فالأب السوي “قابلة” تحرص على أن لا يتضرر الولد في ولاداته المستمرة، وقيام الأبوين بهذا الدور على أكمل وجه سيحدد مصير العلاقات الإنسانية للولد في بقية عمره مع الآخرين.
ولكننا اليوم نواجه تفككا خطيرا للأسرة، يمنع من قيام كل من الأبوين بدوره الفطري والتربوي، وتتجه الثقافة السائدة والمهيمنة إلى إلغاء الأدوار النمطية للأب والأم تارة تحت عناوين تحرير المرأة وتارة تحت عنوان حقوق الطفل، المهم أن الأسرة تتعرض للتشكيك كبنية وكخلية وكعملية، ومع فقدان الأدوار النمطية تتهيأ الأجواء لأنواع من العلاقات المرضية تجتاح المجتمع بطوله وعرضه وعمقه، من دون أن يكون هناك حلول جاهزة لهذه العلاقات المأزومة في مرجعيات الثقافة السائدة.
2_ بين الرجل والمرأة:
   سنبرهن فيما سيأتي على أن الحب السوي بين المرأة والرجل ، إذا تمتع كل منهما بالسواء النفسي هو في الحقيقة مزيج يتكامل فيه الاتصال مع الإنفصال، وأن انهيار الحب ناتج في الحقيقة عن الإفراط أو التفريط في كلا السمتين اللتين تميزان الحب السوي عن الحب المريض أو الحب المرض.
أ_قهر الإنفصال:
هكذا يظهر الحب عند العالم الكبير إريك فروم في كتابه “فن الحب”، الكتاب يبدأ بالحديث عن انفصال آدم وحواء عن الجنة، ثم بانفصال الولد عن أمه التي يراها رمزا لأنهار اللبن والعسل، ويتساءل فروم لماذا العسل مع اللبن؟، ويجيب أن اللبن للغذاء أما العسل فهو النظرة الإيجابية للحياة والسعادة، أو ما يمكن أن نسميه فلسفيا بفرح الوجود، وهكذا يصبح الحب عند فروم بحثا عن اتصال بعد انفصال، والجواب الصحيح عن مشكلة الوجود البشري لو أننا فهمناه بطريقة صحيحة باعتباره اهتماما بحياة الآخرين وشعورا بأننا جزء من كل، وأن نشترك في العمل من أجل سعادة البشرية…
ويضيف أكرم زيدان في كتابه “سيكولوجية المال” ملخصا نظرية فروم… وما كانت الأمراض النفسية والعقلية والسرقة والرشوة والاختلاس والانحراف والجناح والانتحار والدعارة والإدمان وغير ذلك من الأمراض النفسية والاجتماعية إلا لأنها جميعا مظاهر متنوعة لعجز الإنسان عن الحب وعدم القدرة على تحقيق أي نوع من التآزر بين الفرد والآخرين، الذي أدى في نهاية المطاف إلى الإحساس بالقلق والغربة والضياع والعبث..فالحب هو الذي يحررنا من فرديتنا وهوالذي يشبع ما في نفوسنا من حاجة إلى تحطيم الوحدة والانفصال، والحب في صميمه عطاء لا أخذ، وفعل لا انفعال، ولا يملك سوى أن يفيض ويمنح ويهب، لكن عبثا يحاول العاجزون عن الحب أن يحصلوا عليه بأي ثمن، فاعتقدوا أنه سلعة تباع وتشترى وتسرق، فكثيرا ما يحاول العاجزون عن الحب، الفاشلون في إقامة علاقات إيجابية مع الآخرين أن يشترو الحب بالمال، ويبدو ذلك في البغاء والصدقة والتدليل الزائد للأطفال، والعلاقة بين الجنسين، وعلاقة الزوج والزوجة، وحتى في السياسة والانتخابات. أما بائع الحب فهو الذي يعد بالإخلاص وتحمل المسؤوليات كافة مقابل المال، وأما سارق الحب فهو يسرق أشياء لها قيمة رمزية عنده ليعوض فقدانه للحب.انتهى.
أقول: هناك نوع من سرقة الحب، نعرفه في المراهقين، عندما تكثر حركات الشخص أو يكثر من ادعاء الهم استجلابا للاهتمام من شخص آخر واقع في حب آخر أو أخرى، ثم إذا نجحت اللعبة يتركز الاهتمام على هذا السارق للحب حتى تقع الفريسة في المصيدة… والمقصود بالسرقة هنا نقل المشاعر من شخص إلى آخر بالحيلة مع خبث الوسيلة والنية، لا بقصد تبادل المشاعر بل بقصد المنفعة المادية البحتة، الحب المدعى هنا بحد ذاته وسيلة لغاية بحت مادية.
الحب كما بينه فروم “قدرة” فيوجد من هم قادرون على الحب أقوياء منفتحون على التوحد، ويوجد من هم عاجزون، والعاجزون كما بين أكرم زيدان، يعوضون عجزهم بالتعامل مع الحب كسلعة تشترى وتباع وتسرق بالمال… الصورة التي يقدمها إريك فروم أقرب إلى المحبة منها إلى الحب، بمعنى الحب التوحيدي الجامع الذي يصل البشر ببعضهم البعض ويحل مشكلة القلق الوجودي عندهم ويفسر معنى الحياة، وهذا النوع من الحب نخبوي إلى حد بعيد مرتبط بأمثال فروم من الحكماء والعلماء الإنسانيين، وقد خبرناه مع الأنبياء والمصلحين كطاقة جبارة في حنانها، تصل المنفصل وتجمع المتشتت، وتبلسم الجراحات النفسية، هذا المستوى من الحب مرتبط إلى حد بعيد بالوعي العميق وبالقدرة عليه، إنه طاقة دفاقة من الأقوياء بالروح رحمة لبني البشر.
 ولذلك أفضل أن أضع قدمي على الأرض، وأنا أبحث عن شكل من أشكال الحب الواقعي الذي يصلح غذاء لأمراض العصر في علاقات المرأة والرجل بالدرجة الأولى، فقد لا حظنا أن الحب السوي هو الوقاية من التفكك الأسري والعلاج لأمراض التربية وانحرافاتها ومن هنا أقول:  في الحب الواقعي يسير الإتصال مع الإنفصال بشكل تكاملي بدل أن يكون الإتصال ضدا ونقيضا للإنفصال، ما المقصود بهذا المعنى؟. لن يتضح المعنى إلا باستعراض نماذج شائعة من الحب فيها إسراف في الإتصال أو إسراف في الإنفصال:
ب_الحب الاستحواذي:
الحقيقة أن ظاهر هذا الحب شكل مرضي من أشكال التعلق، وغيرة شرسة، ووساوس، ونوع من السلطة تمارس على الحبيب كي لا يبتعد ولا ينشغل ولا يغيب، فإذا غاب رن الهاتف وإذا حضر حوصر بالذراعين، حب يكتم الانفاس ويحول المحبوب إلى شيء مملوك بالكامل، والواقع أن هذا الحب المرض يخفي قلقا عميقا من الإنفصال، وضعفا شديدا للثقة بالنفس، ويؤدي في نهاية المطاف بحسب قوة شخصية المحبوب السجين، إما إلى الهروب والإنعتاق الفعلي أو إلى نوع من الرياء والمداراة على حساب المشاعر الحقيقية، فعندما ينقطع الأوكسجين عن مشاعر المحبوب تختنق هذه المشاعر وتموت وتستبدل بنفور علني أو بطلاق نفسي، وهكذا يتحول التوق المرضي إلى امتلاك الحبيب إلى مأساة. يحدث هذا الامر بشكل درامي عندما يكون أحد الشخصين مازوخيا، لايجد لنفسه وجودا بدون الآخر ويصل أحيانا إلى حد التلذذ بالعذاب الذي يلاقيه من حبيبه، وهذه المازوخية قد تلتقي بنزعة سادية لدى الآخر فنكون أمام مشهد جنوني يرتبط فيه الحب بفن التعذيب إذا تذكرنا أن السادي يتلذذ بتعذيب الآخرين. هذا من الناحية النفسية، ومن الناحية الفكرية لا يعدو هذا الحب أن يكون شكلا من أشكال الخلط المفهومي بين الحب التبادلي والتملك، فالحب التبادلي هو من الأساس ميل واختيار وتكامل وشوق وطلب.. وأيضا حرية يعني أن المحب يشعر بان ذاته تطلب الآخر بدوافع متحررة من القمع والدفع والإكراه، وإذا تحول الحب إلى واجب وفرض فإنه ينتهي حبرا على ورق.
بدأت بالحب الإستحواذي لأخفف من التركيز على الإتصال في تعريف الحب.
ج _ الحب العذري:
ماالذي يمجده الأدب الإنساني في الحب العذري؟، التركيز على عجز المحب عن الوصول إلى حبه، يعني الإنفصال المكاني أو الظرفي الذي يكون سببا في التهابات الشوق وتأجج الحب، ويضيفون إلى صفات الحب العذري البراءة من الرغبة الجنسية، وتتحول الحبيبة إلى لوحة معلقة في قلب المحب لا تشبه بأي حال من الأحوال الحبيبة بلحمها ودمها.
تعبر قصة مروية عن قيس ليلى أو كثير عزة عن ذلك الإنفصال العذب فتقول: أنه وقع يوما مغشيا عليه من شوقه إليها، فرقت لحاله وأتت تعالجه بحنان لكي يستفيق من غشيته ولما أفاق نظر إليها وقال: استغنيت بك عنك. الحبيبة في هذا المشهد مخلوق آخر صنعه الشاعر المحب، لكي يتغنى بجماله ويتعذب من فراقه ويعبرعن شوقه. أما جميل بثينة، فقد حولها إلى سر وجوده وتوأم روحه فكانت بثينة في شعر جميل، مصدر إلهام مستمر طالما أنه لم يرها ولم يلمسها،  يقول جميل:
              تعلق روحي روحها قبل خلقها  وبعدما كنا نطافا وفي المهد
              فزاد كما زدنا و أصبح ناميا   وليس إذا مت بمنصرم العهد
             ولكنه باق على كل حادث      وزائرنا في ظلمة القبر واللحد
يوجد شبه إجماع بين الناس والباحثين، أن هذا النوع من الإنفصال العذب، ينتهي مع أول اتصال جنسي، وأن الزواج بمعناه المتعارف هو مقتل هذا الحب، والواقع أن الحبيب في الحب العذري هو صورة لذات المحب أكثر مما هو شخص الحبيب الذي أطلق شرارة هذه المشاعر، الحبيبة كانت مجرد مادة لصناعة الصورة، وقماشة رسمت عليها اللوحة، وذلك لأن المرأة التي يريدها أي رجل ليست موجودة في امرأة واحدة، وكذلك الرجل الذي تريده أي إمرأة، وإن كانت المرأة أميل للإخلاص لرجل واحد وأشد تغافلا عن عيوب الحبيب، لأن جهازها الإحساسي أرق، وجرحها من نهايات الحب أعمق، فضلا عن أنها مفطورة على منح الحب. المهم أن الفنان أو الشاعر العذري لا يجد ضالته إلا في المرأة التي تشبع شغفه للحب المطلوب في هذه الحالة لذاته لا لغيره يعني حب من أجل الحب لا من أجل الحبيب، ولذلك يصل بنا التحليل إلى أن الحب العذري على سمعته الحميدة بين الناس لما له من الفضل على الأدب والشعر وترهيف الأحاسيس، هو في الحقيقة نوع من النرجسية والوله بالذات التي ترفض ما تقدمه لها الحياة من علاقات طبيعية واقعية فيها النقص والكمال، وفيها العيب والجمال، وفيها الالم والسعادة.. فتنسج _نفس الشاعر_ من خيالها حبا وتجعل من حبيبها مادة لهذا الحب بصورته المثالية التي لا يشوبها أي نقص، وينتهي بها المطاف تعلقا بالخيال والمثال قد يكدره التعرف على الحبيبة التي تنال.
لقد أثر هذا الحب بما حظي به من ترويج في الأدب والقصص والأساطير والسينما والتلفزيون والمسرح، على الذوق العاطفي للمحبين، وجعل الرجل الذي يطلب الحب يلهث وراء صورة فارس الأحلام، والمرأة تلهث وراء صورة الحورية، أصبحت العلاقة متطلبة أكثر من اللازم مرهونة بطقوس رومانسية لا تكتفي بالوردة بل تبحث عن ألوان الإثارة، واختلط الحب الرومانسي بنزعة الاستهلاك ومستويات الشبق الجنسي بحثا عن صورة مثالية هي في الحقيقة من نسج الخيال.
ولأن هذا الحب بالذات يموت بعد الزواج، شاع أن الزواج نهاية الحب وكأنه النسخة الوحيدة والصيغة الفريدة للحب، فالمخلصون للحب الرومانسي يؤخرون الزواج أو لا يتزوجون أصلا إذا أمكنهم ذلك، والبعض أصبح يصرح بعد الخبرة أن الحياة الجميلة تعاش قبل الزواج فمن الأفضل تأخير هذا الهم، المسألة هنا أوسع من الإخلاص للحب الرومانسي، بل هي خلط عجيب بينه وبين الحب الجنسي والحب الإستهلاكي، ولأن سمعة الحب الرومانسي أفضل، تختبيء أشكال الحب الأخرى خلفه:
              وكل يدعي وصلا بليلى        وليلى لا تقر لهم بذاكا
إلى هنا نصل إلى أن “الحب الواقعي” الذي أعتبره حلا لمشكلات العلاقات بين الرجال والنساء على مافي هذه الكلمة من تناقض ظاهري، فالحب في الأذهان يناقض الواقع ويتمرد عليه، ولكنه في العلم صورة من صوره ومشهد من مشاهده… هذا الحب بالذات لاهو اتصال إلى درجة الإستحواذ ولا انفصال إلى درجة النرجسية الرومانسية ، إنه اتصال مع فسحة من الحرية وانفصال مع جذبة تشد المحب إلى حبيبه طلبا للوصال.
د_الحب الجنسي:
إذا خرجنا من حكايات الحب العذري _حيث لا يمكن مجامعة الصورة المعلقة في الخيال_، وتكمن شرارة الحب في كونها صعبة المنال، فإن لكل حب أساسه الجنسي، حتى قال أحد الظرفاء في”ديوان الصبابة”:” العشق عبارة عن طلب ذلك الفعل المخصوص من شخص مخصوص.”
  ولأن هذا الحب مرتبط بالخلقة قال بعض الفلاسفة أن الحب ماهو إلا حيلة الطبيعة للوصول إلى التناسل، ولكن الحديث هنا يدور حول الجنس كهدف وحيد من أهداف الحب، وغلبة المقاييس الجنسية على ما عداها بشكل يجعل العلاقة برمتها مرهونة لا فقط بنجاح العلاقة الجنسية بل وبموافقتها لذوق المحب في الجنس، ولو كان فيه شيء من الخروج عن المألوف. أشكال الجنوح في هذا النوع من الحب تصل في نهاياتها إلى التعلق بالعاهرات لأنهن أكثر تفرغا لذوق “الزبون”، ومع الوقت يتحول الجنس إلى مخدر وعلاج فاشل للقلق والوحدة والوحشة،  وهنا تظهر حالة إدمان على الجنس للجنس،  المحبوب يختفي من المشهد ويختزل بقضاء الوطر منه. ولأن البيولوجيا دافعة للبسيكولوجيا في هذا الحب، فإنه الأكثر شيوعا اليوم لارتباطه بمسار طبيعي جنح عن سكته فأصبح مصدرا للقلق بدل أن يكون علاجا له… وتحت ظلال هذا الجو المحرض على العلاقة الجنسية خاصة في السينما والتلفزيون وبيئة العمل، ظهر نوع من الحب أسميه تسامحا بالحب الإستهلاكي.
ه_ الحب الإستهلاكي:
اجتمعت عدة عوامل لخلق هذه الظاهرة، منها ما لاعلاقة له بالحب البتة، سأعرضها بالترتيب ليظهر التشابك العجيب في المفهوم والممارسة.
1_ تأخر سن الزواج ودخول المرأة في سوق العمل:
توجد علاقة طبيعية بين مستوى الجهد والحاجة إلى العاطفة بمافيها الشغف الجنسي، والناشطون في المجتمع، غالبا ما يكونوا ناشطين في كل شيء حتى خفقة القلب لديهم أسرع استجابة إلى بوارق الحب عندما تلمع، ومع تأخر سن الزواج لدى الجنسين وأجواء العمل الضاغطة تظهر الحاجة إلى الحب كواحة في صحراء المدينة، وخشبة خلاص تستجيب لأجواء التحريض على الجنس التي أصبحت لغة الفن والإعلان اليومية. وبما أن أجواء العمل وغلاء المعيشة وتقاليد الزواج وثقافة الحب العذري تختلط بالحب الجنسي الذي يخاف من الرتابة والملل وموت المشاعر، لتبعد كلا الجنسين عن خيار الإرتباط الرسمي، نراهم يقدمون على بناء علاقة عابرة مع علم مسبق بأنها لن تتطور إلى زواج إلا إذا حصلت مفاجآت مالية أو غير مالية تجعل من الزواج قدرا محتوما.
2_ التحريض على العلاقة العابرة:
هنا يدخل أرباب سوق السينما والتلفزيون والأنترنت والهواتف النقالة على الخط، فيوفرون بعروضهم المغرية حوافز لإرسال الرسائل وإطالة المكالمات أو التحادث على الشبكة العنكبوتية، وتنتقل العلاقات من مستويات الحب الإفتراضي إلى العلاقة العابرة التي يراقب فيها كل طرف ذاته كي لاينجرف إلى أكثر من الحدود الموضوعة سلفا، ثم تنهار هذه الرقابة الذاتية بعد أن يتحول عالم الرجل والمرأة إلى شاشة هاتف أو شاشة كمبيوتر أو شاشة كاميرا أو شاشة تلفزيون، ومع كل رسالة “حب استهلاكي” يرتفع رصيد وأسهم شركات الإتصالات والأنترنت وتترجم العواطف إلى ثروة يستفيد منها المحرضون دون المحبين.
3_ ثقافة الاستهلاك:
يتباهى الجيل الجديد بأنه سريع الملل، وقد تدرب على الحصول على مايريد بأقل جهد ممكن، ثم أنه يستهلك مايملك بسرعة حتى يواكب الجديد، وقد وصل الأمر بالفعل إلى استهلاك “الحبيب المفترض” واستبداله كأي سلعة انتهت مدتها، فبعد فترة قصيرة من المكالمات الطويلة تنتهي الإثارة المطلوبة ويصبح الكلام مكررا، وهكذا تفتح نافذة أخرى على المسنجر ونشرع ببناء علاقة جديدة ونحن نعلن انتهاء مدة صلاحية العلاقة القديمة.  ضحايا هذا النوع من الحب الإستهلاكي هم تلك الفئة العاطفية البسيطة التي تبني أحلاما وردية على هذه العلاقة ثم تصطدم بالخط المقفل أو العنوان الإلكتروني الذي تبدل، أو البلوك على العنوان المعروف.  المشاعر في هذا النوع من الحب سطحية لا تنفذ أبدا إلى الأعماق، والكلام تافه، والفن هابط، وكل ما كان الحب الحقيقي سببا في وجوده مبعد ومهمل، والجنس والعلاقة العابرة تحكم الموقف وتحدد أنماط السلوك، والهدف: أكبر قدر من اللذة بأسرع وقت ممكن وأقل كلفة ممكنة، معنوية كانت هذه الكلفة أو مادية.
ثقافة الإستهلاك، هي حصيلة حياة محورها اقتصاد بلا قلب، ينتج إنسانا بلا روح، وأدب بلا كلمة، وفن بلا مشاعر، والنتيجة مجتمع عاجز عن الحب مريض بالقلق، مهدد في صحته النفسية بسبب افتقاده للسكينة الداخلية التي تجعل من حياته تراكما إيجابيا على خط النمو الطبيعي للشخصية المتوازنة. ماذا نقول في هذا الحب الممسوخ الذي ينتقل فيه العاشق من وهم اتصال إلى وهم انفصال، ويعيش بعده وفي أثنائه نوعا من الألم المترف الذي لا ينتج تجربة مفيدة إلا لمن يستفيق من عالم الحب الإفتراضي فيطفيء الشاشات ويخرج إلى الحياة.
الحب الحقيقي لا يزال بريا، لم تفلح الحضارة التكنولوجية في تدجينه، وهو منحاز لحرارة الأعصاب والشرايين وخفقة القلب ودفق الدماء، وللوجوه العابقة بالحياء، والعيون الدامعة، والنفوس التي تعتز بأنها ضعيفة.
ولك أن تقول ما قاله عبدالله بن أسباط القيرواني:
            قال الخلي الهوى محال         فقلت لو ذقته عرفته
           فقال هل غير شغل قلب         إن أنت لم ترضه صرفته
          وهل سوى زفرة ودمع           ان لم ترد جريه كففته
         فقلت من بعد كل وصف          لم تعرف الحب إذ وصفته
-       الحب الالهي:
نحن نتحدث هنا عن نبع فياض من الحب، هو سر الكون وأساس الوجود، الاتصال فيه يبقى مواكبا للإنفصال، فلا تستنزف المشاعر أبدا، بل تتدافع في طريق سرمدية وعروج أبدي، يحصل فيه المحب على جوائز حبيبه في كل طرفة عين وومضة عين وخفقة قلب.
العاشقون لله تتسع قلوبهم للعرش والكرسي وللعالم أجمع، فكل مافيه فعل من أفعاله وأثر من آثاره، والأنا لا وجود لها في هذا العالم، بل هي العقبة… “فلا اقتحم العقبة وما ادراك ما العقبة فك رقبة”، وعتق الرقاب يعني التحرر من الأنا الآسرة وشهوة الاستهلاك ورغبات التملك، خزائن الله التي لا تنفذ تودع في قلب المحب فيعطي ولا ينقص بل يزيد، ويذوب ما فيه من مادة ليتحول الى روح وطاقة دفاقة  تمنح العالم أجمع دفقا من الحنان من نبع سماوي، “يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن”.
لا معنى للتدين العميق بدون هذا الجنون بالله والهوس بذكره والشوق للقائه في محراب العبادة أو في ساحات العمل والجهاد.
             قلبي يحدثني بأنك متلفي        روحي فداك عرفت أم لم تعرف
لا معنى للإيمان العميق، إذا لم تشع من قلب المؤمن أنوار التسامح والمحبة، وإذا لم يترجم الإيمان عملا يبلسم جرحا هنا ويسد حاجة هناك، المحبون لله مشغولون بمغازلة حبيبهم بخدمة خلقه، يراقبون صورة ترسم لهم في عالم الملكوت سينكشفون عليها قبل الموت أو بعده. وكما قال السيد المسيح (ع): مجانا أخذتم مجانا تعطون.
وقال علي (ع) في صفات المتقين: لولا الأجل الذي كتب عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، ومعونتهم للإسلام عظيمة.
أما حفيده الصادق عليه السلام فقد أوجزها بكلمة:
هل الدين الا الحب.

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

آلة الزمن .. هل السفر عبر الزمن ممكن حقا؟ ‏

مخترع غريب الأطوار ماتت حبيبته في حادثة فصنع من أجلها آلة عجيبة سافر بها الى الماضي على أمل ان ‏يعيد الحياة إليها عن طريق تغيير الأحداث التي أدت الى موتها , لكنه سرعان ما يكتشف بأن تغيير القضاء و ‏القدر مهمة مستحيلة , هذه الحبكة الخيالية مستمدة من رواية شهيرة أصبحت موضوعا لعدة أفلام طالما أثارت في ‏نفوس مشاهديها سؤالا محيرا و هو هل بالإمكان حقا السفر عبر الزمن ؟ النظريات العلمية تقول نعم! اما ‏الفلاسفة فيردون ساخرين : كيف أعود الى الماضي البعيد و انا لم اخلق بعد و كيف أسافر الى المستقبل و هو لم ‏يقع بعد ؟ رد وجيه لكنه مثل أغلب أجوبة الفلاسفة لا يزيد اللغز الا تعقيدا.

هل سيأتي عصر تكون فيه وكالات سفر تقوم برحلات الى الماضي و المستقبل؟

السفر عبر الزمن سيبقى حلما يراود الكثير من الناس
السفر عبر الزمان هو حلم راود الكثيرين و كان موضوعا خصبا للعديد من روايات الخيال العلمي , و لعل أشهرها في هذا المجال هي رواية آلة الزمن (The Time Machine )  التي ألفها هيربرت ويلز عام 1895 و تدور قصتها حول مخترع شاب غريب الأطوار ماتت حبيبته في حادثة فصنع من أجلها آلة عجيبة سافر بها الى الماضي على أمل ان يعيد الحياة إليها عن طريق تغيير الأحداث التي أدت الى موتها , لكنه سرعان ما يكتشف بأن تغيير القضاء و القدر مهمة مستحيلة فيقرر عوضا عن ذلك الانطلاق في رحلة الى المستقبل , و قد وجدت السينما في هذه القصة و غيرها من الروايات التي تتحدث عن السفر عبر الزمن موضوعا شيقا للعديد من الأفلام الخيالية التي نشاهد البطل فيها ينتقل من زمن الى آخر أحيانا بواسطة الة ميكانيكية معقدة و متطورة , و أحيانا أخرى بصورة مبسطة حيث ينام البطل او يسقط في مكان ما ليجد نفسه في زمان و بعد آخر , و رغم ان اغلب القصص و الروايات التي تناولت هذا الموضوع تم تأليفها في الغرب إلا ان حكايات الشرق لم تخلوا من فكرة مشابهة , أي الانتقال الى زمن أخر , مثل قصة أصحاب الكهف التي ذكرت في القرآن الكريم حيث يختبأ عدد من الرجال في كهف فيغلبهم النعاس و ينامون لعدة قرون ثم يستيقظون في عصر و زمان ثاني في المستقبل فيثيرون تعجب الناس و دهشتهم بسبب أزيائهم و نقودهم القديمة , و في التراث الشعبي العربي هناك حكاية الرجل الذي ينام في بقعة خالية ثم يستيقظ ليجد أمامه مدينة عامرة بالسكان و يكتشف لاحقا بأنها مدينة مسحورة او ملعونة لا تظهر إلا مرة واحدة كل مئة عام.
و لقرون طويلة ظل موضوع السفر عبر الزمن مقصورا على الروايات و القصص الخيالية , لكن في مطلع القرن التاسع عشر نشر ألبرت اينشتاين نظريته النسبية الخاصة و ألحقها بالنسبية العامة (1) بعد عدة سنوات , و قد قلبت هذه النظرية الكثير من مفاهيم و مبادئ علم الفيزياء و الفلك رأسا على عقب , فمنذ آلاف السنين تعامل الإنسان مع ثلاثة أبعاد مكانية ملموسة لتحديد مواقع الأشياء و حساب المسافات التي تفصل بينها , و هذه الأبعاد هي الطول و العرض و الارتفاع , لكن اينشتاين أضاف بعدا رابعا هو الزمن , و هو حسب نظريته ليس شيئا ثابتا كما تعودنا عليه دائما بل هو نسبي قابل للتغير , فكلما اقتربت سرعة جسم ما من سرعة الضوء تباطأ الزمن بالنسبة إليه , أي ان الشخص الذي يسافر في مركبة فضائية متطورة بسرعة تقارب سرعة الضوء (186000 ميل في الثانية) سيمر عليه الزمن بصورة أبطأ من الشخص الذي يعيش على الأرض , و على هذا الأساس فالسفر عبر الزمن ممكن نظريا , فلكي يسافر شخص ما الى المستقبل ما عليه الا ان يذهب برحلة فضائية بسرعة الضوء ثم يعود بعد عدة سنوات ليرى الأرض و قد شاخت عشرات السنين بينما لم يزداد عمره هو الا سنوات قليلة! (2) , لكن ماذا لو لم يعجب المستقبل مسافرنا الفضائي ؟ ماذا لو وجد الأرض بعد مئة سنة و قد تضاعف عدد سكانها و شحت مواردها و ازدادت الحروب و المجاعات عليها , سيندم حتما على سفرته و يتمنى لو يستطيع العودة الى الماضي و هو أمر ممكن أيضا من الناحية النظرية , و كل ما سيحتاجه المسافر الفضائي للقيام برحلة كهذه هو الانطلاق بمركبته الفضائية بسرعة تفوق سرعة الضوء , حينها سيبدأ الزمن بالتباطؤ إلى درجة انه سيعود القهقرى إلى الماضي.
لكن بما ان السير بسرعة الضوء تكاد تكون مهمة مستحيلة في المستقبل القريب , فأسرع مركبات البشر الفضائية لم تتجاوز سرعتها عدة كيلومترات في الثانية , لذلك فتش العلماء عن طرق أخرى للسفر عبر الزمن و وجدوا ضالتهم في الثقوب السوداء (Black hole ) التي هي عبارة عن أشباح لنجوم ميتة انسحقت كتلتها و تكاثفت حتى تحولت الى أجرام صغيرة جدا لكنها ذات جاذبية هائلة لا يفلت أي شيء يمر بها من قبضتها فهي تبتلع حتى الضوء و تؤثر على حركة الأجرام القريبة منها , و يعتقد بعض العلماء بأن هناك نوع من الثقوب السوداء تسمى الثقوب الدوارة اذا تمكن جسم ما من الدخول اليها و استطاع بطريقة ما من المرور عبرها من دون ان ينسحق في نواتها فأنه على الأرجح سيخرج من الجهة الأخرى الى بعد و زمن اخر , لكن هذه النظرية تبقى في الحقيقة حبرا على ورق بسبب ان العلماء لا يعلمون حتى الان على وجه الدقة ماذا يحدث داخل الثقوب السوداء ناهيك عن القيام برحلة الى داخلها.
هناك نظرية أخرى تقترح استعمال الخيوط او الأوتار الكونية للسفر عبر الزمن , و يقول العلماء بأن هذه الخيوط تخلفت عن الانفجار الكوني العظيم الذي يعتقد ان الكون نشأ عنه و ان هذه الخيوط تمتد لمسافات طويلة عبر الكون و ان تقاطع اثنين منها معا يولد طاقة كبيرة يمكن ان تؤدي إلى انحناء "الزمكان" و بالتالي تتيح إمكانية السفر عبر الزمن , لكن مشكلة هذه النظرية تكمن في الكيفية التي سيتمكن بها الإنسان من الولوج الى داخل هذه الخيوط الكونية فهو يفتقد التقنية المتطورة و الطاقة الهائلة التي يحتاجها للقيام بعمل كهذا.
و هناك نظريات أخرى لكنها جميعها تبقى مجرد أفكار و معادلات رياضية تقبع في رؤوس العلماء و قد لا يتمكن الإنسان من تحقيقها أبدا , الا ان هذه النظريات تتفق جميعها على ان الانتقال عبر نقاط زمنية مختلفة بين الماضي و المستقبل هو أمر ممكن و قد اثبت العلماء صحة ذلك عن طريق قياس الزمن على المركبات الفضائية التي ذهبت في مهمات خارج الأرض و مقارنته مع الزمن الأرضي و رغم ان فارق الزمن الذي حصل العلماء عليه كان بسيطا جدا , نظرا لبطء السفن الفضائية الحالية , لكنه كان كافيا لإثبات صحة نظرية أينشتاين حول نسبية الزمان.
موضوع السفر عبر الزمان لم يثر علماء الفيزياء و الفلك فقط و لم يتوقف عند مشكلة الطريقة او التقنية التي ستمكن الإنسان من القيام بهكذا رحلات و لكنه تعداها إلى أسئلة أخرى أثارها عدد من الفلاسفة و عجز العلماء عن تقديم الرد و الجواب الشافي لها , إحدى ابرز هذه الأسئلة هي ما سميت بـ "مفارقة الجد" و التي يفترض الفلاسفة فيها إمكانية السفر عبر الزمن و يفترضون ان شخصا ما استطاع العودة إلى الماضي و قام بقتل جده قبل ان يلتقي و يتزوج بجدته و لذلك فأن أبوه لن يولد أبدا و بالتالي فهو أيضا لن يولد و عليه فأنه لن يتمكن من القيام بسفرة إلى الماضي لأنه أصلا غير موجود في المستقبل , أحجية عجيبة حقا , تبدو أشبه بأحجية البيضة و الدجاجة و هي تنسف إمكانية السفر الزمني من الأساس , فرغم ان علماء الفلك و الفيزياء هم عباقرة بلا شك في مجال القوانين و المعادلات الرياضية التي تتطلب ذكاءا خارقا الا أنهم وقفوا عاجزين أمام هذا السؤال الفلسفي البسيط الذي اتخذه الفلاسفة كحجة و دليل على استحالة السفر عبر الزمن , كما أن فريق الفلاسفة طرحوا سؤالا أخر لا يقل إشكالا و جدلية عن سابقه , و هو انه إذا كانت إمكانية السفر عبر الزمن ممكنة حقا فلماذا لم يأتي احد من المستقبل لحد الان , فالبشرية ستبلغ حتما درجة كبيرة من التطور في المستقبل مما يمكن الإنسان من السفر عبر الزمن , لكننا لم نشاهد حتى الآن مسافرين قادمين من المستقبل ليزورا عصرنا الحالي ؟.
طبعا العلماء المؤيدين لفكرة السفر عبر الزمن لم يجلسوا صامتين و هم يرون الفلاسفة يمطروهم بوابل من الأسئلة المعقدة بل حاولوا تقديم بعض الإجابات و الحلول لهذه الأسئلة , و من ابرز هذه الحلول هي نظرية الكون او البعد الموازي التي تفترض بأن لكل بعد زمني أحداثه الخاصة به التي لا يمكن لشخص قادم من بعد او زمن أخر تغييرها , أي انها أشبه ما تكون بفكرة القدر و الحتمية , و هكذا فأن ما يسمى بـ "مفارقة الجد" لا يمكن ان تحدث لأن الإنسان قد يتمكن من السفر الى بعد زمني أخر لكنه لن يمتلك القدرة على التأثير به او تغيير أحداثه.
أما بالنسبة للمسافرين القادمين من المستقبل فأن بعض العلماء لا ينفون إمكانية ان يكون هناك أشخاص في عالمنا و عصرنا الحالي قادمون من المستقبل لكنهم متخفون و لا يعلنون عن أنفسهم و ذلك لأن بشر المستقبل سيكونون على مستوى راقي من التقدم و التحضر و سيكونون أكثر إنسانية و أكثر مسؤولية تجاه أفعالهم لذلك لن يقوم هؤلاء المسافرين المستقبليين بالإعلان عن أنفسهم كما أنهم لن يقوموا بأي عمل من اجل محاولة تغيير الماضي بل سيكتفون بالمراقبة , أي ان الأمر بالنسبة لهم هو أشبه بمشاهدة فلم سينمائي , و هناك فرضية أخرى تدعي ان إمكانية السفر عبر الزمان لن تكون متاحة ما لم تتوصل البشرية إلى التقنية التي تمكنها من القيام بهكذا سفرات , اي ان المسافرين القادمين من المستقبل لن يستطيعوا ان يأتوا الى عصرنا الحالي مالم نقوم نحن أولا بفتح الفجوة الزمنية التي تمكنهم من القيام بهذه الرحلة.
عمليا لا تبدو هناك أي فرصة للقيام برحلة زمنية في المنظور القريب و لا يعلم سوى الله وحده متى ستتمكن البشرية من الوصول إلى درجة من التطور تمكنها من القيام بهكذا رحلات , لكن يجب ان نتذكر بأننا جميعا مسافرون يمضي الزمن بنا مسرعا بواسطة مركبة أزلية اسمها العمر وقودها الأيام و السنين , و هي رحلة حتمية يقوم بها كل إنسان مرة واحدة في حياته و تكون دوما باتجاه واحد الى الأمام , و قد يكون كبار السن هم الأكثر إدراكا بمدى سرعة و قصر هذه الرحلة , و هم أيضا اشد الناس شوقا لآلة زمنية تعيدهم إلى أيام الصبا و الشباب لكنهم يدركون بأنها أمنية بعيدة المنال لذلك تراهم يكتفون بقول الشاعر :

ألا ليت الشباب يعود يوما .. فاخبره بما فعل المشيب

1- بعيدا عن الدخول في معمعة القوانين و المعادلات الرياضية المعقدة التي سيتعصي فهمها على اغلب الناس , النظرية النسبية ببساطة تعني ان كل شيء في الكون نسبي و لا وجود لشيء مطلق , ابسط مثال على ذلك هو عند ركوبك في سيارة مسرعة و مشاهدتك للأشياء خارجها كالأشجار مثلا , فما تراه عيناك هو ان هذه الأشجار تتحرك (في الحقيقة أنت تتحرك) اما الشخص الواقف في الشارع فيرى نفس الأشجار ثابتة في مكانها , و لنبسط المسألة أكثر , افترض سير سيارة أخرى الى جانب سيارتك و بنفس السرعة , ما ستراه في هذه الحالة هو ان السيارة الأخرى ثابتة لا تتحرك لأنها تسير بنفس سرعتك و تستطيع حتى تبادل الحديث مع سائقها اما الشخص الواقف في الشارع فسيراها تتحرك و تسير , و على هذا الأساس فأن كل مفاهيم حياتنا هي نسبية تختلف النظرة إليها من شخص الى أخر , و حتى أنت عزيزي القارئ قد تحسب نفسك جالسا خلف حاسوبك بدون حركة و لكنك تتحرك بسرعة كبيرة من حيث لا تدري , فالأرض تدور بك حول نفسها بسرعة ربع ميل في الثانية و حول الشمس بسرعة 18 ميل في الثانية و مجموعتنا الشمسية تنطلق بك داخل مجرتنا درب التبانة بسرعة 125 ميل في الثانية و مجرتنا ككل تسير بك بسرعة 40000 ميل في الثانية! .. تتمسك بشيء ما لئلا تطير من السرعة!.
2 – حول اختلاف زمن السماء عن زمن الأرض هناك آية قرآنية تقول : "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون (سورة السجدة)".

الجن والمرض النفسي

الوصمة المدموغ بها المرض النفسي تعود أساساً للاعتقاد السائد لدى عامة الناس ونسبة غالبة من علماء الدين الإسلامي إلى أن المريض النفسي متلبس بالجن، أي يسكنه جن أو شيطان، أو على الأقل تحت تأثير السحر أو العين أو الحسد. وقد ساعدت وسائل الأعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة بدون أن تدرى في دعم هذا الاعتقاد بإفساحها المجال لمن يؤمنون بهذا الاعتقاد لإبداء آرائهم بقوة مدعمين هذه الآراء بآيات قرآنية و أحاديث نبوية وروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم. والجدير بالذكر أن هنالك عدد ليس بالقليل من علماء المسلمين لا يؤيدون هذا الاعتقاد وهو دخول الجن بدن المريض إلا أنهم يحجمون عن إبداء آراءهم خوفاً من نعتهم بالكفر أو الزندقة.
غالبا ما يتم الربط بين المرض النفسي والتلبس بالجن
نسبة لهذا الاعتقاد السائد فإن هنالك أعداد كبيرة من المرضى النفسيين يقصدون الشيوخ والمطوعين الذين اشتهروا بعلاج التلبس وإزالة اثر السحر والعين والحسد ويدفعون أموالاً طائلة توقعاً للشفاء بأساليب متنوعة اشتهر بها هؤلاء المعالجين سنأتي على ذكرها لاحقاً. الغريب في الأمر أن هؤلاء المعالجين ليس لديهم وسائل تشخيص محددة، بل يؤكدون لكل مريض يقصدهم بأي نوع من الأعراض النفسية المتعارف عليها عالمياً بأنها من فعل السحر أو العين أو الحسد أو الشيطان. وأغلبية المرضى الذين يراجعون الأطباء النفسيين يذكرون أنهم تعالجوا لفترة عند هؤلاء الشيوخ وآثروا في النهاية مراجعة الطبيب النفسي بعد أن ساءت حالتهم الصحية أو لأنهم فطنوا أنهم ضلوا الطريق.
في مجتمعنا الشرقي والإسلامي اعتقد أن أغلبية الأطباء النفسيين لا يمانعون إطلاقا عندما تسمح حالة المريض من أن يقرأ عليه قرآنا أو أدعية لأن من المؤكد أن هذه الوسائل التي هي جزء من مكونات المريض العقائدية تساعد على دعم وتسريع العلاج الطبي من ناحية الإيمان بقضاء الله وتقبل أرادته مع توقع استجابته لصلواتهم وادعيتهم لرفع البلاء عنهم. ولكن من المهم أن لا يتدخل المطوع أو الشيخ في العلاج الطبي أو محاولة تنفير المريض أو أهله من متابعة العلاج لأن عددا كبيرا منهم لا يؤمن بأي دور للطب في العلاج .
الاعتقاد بتلبس الشيطان للإنسان كان سائدا في ما نطلق عليه الدول المتقدمة الآن في القرن الماضي نسبة لاعتقاد الكنيسة في الأمر، إلا أنه نتيجة للنهضة العلمية وانحسار تأثير الكنيسة فأن هذا الاعتقاد يكاد يكون قد اندثر، ومن يقول به الآن يعتبر كمن يؤمن بالخرافات.
نبذة تاريخية
لوحة تعود الى القرن الخامس عشر تظهر الجن وهم يحاولون اغواء احد القديسين
الاعتقاد بمسؤولية الأرواح الشريرة عن الأمراض مهما كان نوعها قديم من الأزل وقد كانت القبائل البدائية في التاريخ الأول تعزى أي مصيبة تحل بالقبيلة من أوبئة وكوارث طبيعية وقحط ومجاعات إلى هذه الأرواح الشريرة إن لم تكن من فعل آلهتهم الغاضبة والمعاقبة لهم. وبالمقابل توجد أرواح طيبة مثل أرواح أسلافهم يلجأ إليها أطباؤهم لإلهامهم ومساعدتهم في التخلص من عبث الأرواح الشريرة مع درأ آثار الكوارث والأوبئة ومساعدتهم في التغلب على أعدائهم.
كانت هذه الأرواح تفوق الخيال في" مسيبوتيميا القديمة" وكذلك كان الحال في" بابيلونيا القديمة" وقد كان للكهنة طقوس معينة يطردون بها هذه الأرواح من أبدان المرضى تشمل الصلوات وإطلاق البخور والأدعية للآلهة وفي بعض الأحيان تحدى هذه الأرواح وأمرها بالخروج.
كتب الهندوس المقدسة" فيدا" التي وضعت سنة ألف من قبل الميلاد تحدثت كذلك عن هذه المخلوقات الشريرة وكذلك كان الحال في بلاد فارس في القرن السادس قبل الميلاد. الكتب التي ترجع لهذه الحضارات تتحدث أيضا عن طقوس لطرد هذه الأرواح بواسطة الصلوات والمياه المقدسة.
ذكر أن" هومر" قد تحدث مع الشيطان، أما" سقراط" فقد وصف المجنون بالذي تحت تأثير الشيطان. وكذلك أكد " أفلاطون".
اشتهر الرومان بطقوس خاصة يلعب الجنس والخمر دورا كبيرا فيها وذلك لتلبيس أنفسهم بالشيطان عن طريق دخوله أبدانهم وذلك في حفلاتهم الصاخبة. وانتقلت هذه إلى اليونان القديمة لاحقاً.
التقاليد" الشامانية" تعتقد أن الأرواح الشريرة والشيطان مسئولة عن سرقة أرواح المرضى والحلول محلها محدثة مرضه، ويترتب على المعالج الذي يطلق عليه اسم "الشامان" البحث عن هذه الروح المسروقة واستعادتها لصاحبها بعد طرد الروح الشريرة لكي يشفي المريض.
إلى يومنا هذا نجد هذا الاعتقاد" الاستحواذ بالأرواح" منتشرا ليس فقط في دول العالم الثالث بل بين مجموعات في الدول الغربية المتقدمة التي فيها من يؤمن بتناسخ الأرواح، اى أن بعض أرواح الموتى التي كانت تعانى في حياتها أو لحظة مفارقتها للحياة بدلا من أن تصعد إلى السماء تحوم حول الأرض لتحل في جسد جديد محدثة لصاحبه معاناة نفسية وجسدية هائلة. ونتيجة لهذا الاعتقاد فقد انبرى عدد كبير من المعالجين الروحانيين لتخليص هؤلاء المرضى من هذه الأرواح بطقوس خاصة بهم. والجدير بالذكر أن بعض المعالجين النفسيين المعاصرين ابتكروا أسلوباً من العلاج النفسي أسموه "علاج الخلاص من الأرواح". وهذا العلاج غالبا ما يكون تحت التنويم. وهو مشابه لحد كبير لأساليب المعالجين الروحانيين والتي تعتمد لحد كبير على استغلال المعتقدات الخاصة بالمريض.
"Spirit possession / Spirit Releasement Therapy "
كتاب العهد الجديد
لوحة تظهر قسا يقوم بطقوس طرد الجن
تحدث العهد الجديد، كتاب المسيحيين المقدس عن أن سيدنا عيسى عليه السلام كان يمارس طقوس طرد الأرواح الشريرة من أبدان المرضى تأكيدا لنبوته وكان النبي يأمر هذه الأرواح بالخروج من بدن المريض وان لا تعود مرة أخرى. وقد ذكر بأنه قام بطرد أرواح من بدن مريض دخلت بدورها قطيع من الخنازير التي أسرعت إلى حافة هاوية وسقطت في الماء لتموت. وذكر أن النبي عيسى علم تلاميذه طرد الأرواح من أبدان المرضى. وليومنا هذا تتولى الكنيسة وخاصة الكاثوليكية هذه المهمة. وكتب العهد القديم تحدثت عن تعرض بعض أنبيائه للشيطان.
القرآن الكريم أكد أن من معجزات النبي عيسى عليه السلام شفاء المرضى بإذن الله بصلواته ودعائه.
إلى عهد قريب كان المريض العقلي في أوروبا يعتقد انه شيطان أو ساحر وقد تمت مطاردتهم وقتلهم حرقاً للتخلص منهم. وأخيراً باختفاء هذا الاعتقاد تم التعامل معهم كمرضى وأصبحوا يجمعون في مصحات خاصة لرعايتهم وحمايتهم.
الجن في الإسلام
من المعروف أن سكان الجزيرة العربية قبل الإسلام من أهل الكتاب يهود ونصارى والمشركين من العرب أولاد سام وحام كانوا يعتقدون في وجود الجن وأثره على الإنسان من مكروه ومرغوب إذ كان الموهوبون كالشعراء يعتقد أن بهم جن وهو الذي يلهمهم بقول البديع من الشعر. وكانوا يستعينون بالجن في إحداث الضر والخير ومعرفة المجهول. أما وادي عبقر فكان وادي في الجزيرة العربية كان يعتقد أن الجن تسكنه. وكلمة عبقري مشتقة من ذلك الاسم.
القرآن الكريم أكد وجود الجن كما جاء في شأن إبليس الذي كان من الجن، ومن بعض الآيات التي تدل على وجودهم كقوله تعالى " والجان خلقناه من قبل من نار السموم"، وقوله تعالى " وخلق الجان من مارج من نار." ويقال أنهم خلقوا قبل آدم بألفي سنة.
تعرض النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه لهم مثلا قوله "عرض لي الجان في صلاتي فخنقته" وكذلك قوله " ما منكم من احد إلا ومعه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة."
تذكر المراجع أن الجن مخلوقات رقاق الأبدان كالهواء لا يبصرها الإنسان ولكنهم يبصرونه ويستطيعون التشكل في صورة الأنس والبهائم والحيات والعقارب والطير. ومنهم المؤمن والكافر ويدخلون الجنة والنار يوم القيامة على حسب أعمالهم.
إبليس عصى ربه إلا أن الله سبحانه وتعالى أمهله من العقاب إلى يوم يبعثون، وإلى ذلك اليوم تعهد أن يغوي الإنسان ضعيف الأيمان ويبعده عن فعل الخير ليدخله معه النار.
كما ذكر في القرآن تسخير الله الجن لسيدنا سليمان يأتمرون بأمره، " من الجن يعمل بين يديه بأذن ربه." وذكر أيضا أن الجن يعلم الناس السحر والطب.
المسلم لا ينكر وجود الجن ولكن الخلاف في تفسير هذه الآية "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس." هذه الآية اتخذت كدليل على أن المصر وع يدخل في جسده الشيطان فيجعله يتخبط. أي أن ما يأتي به المصر وع من تشنجات وحركات لا إرادية غريبة وما يتفوه به من كلمات مبهمة أو بذيئة من فعل التلبس. .وكذلك يدللون بحادثة المرأة التي لها ابن به جنون يأخذه عند الغداء والعشاء، فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن مسح على صدر الابن فخرج الجني من جوفه "مثل الجرو الأسود". وفي حالة ثانية أمره الرسول بقوله" اخرج عدو الله" فخرج.
وسوسة الشيطان للإنسان
يوجد اعتقاد كبير لدى المسلم بوسوسة الشيطان للإنسان لإغرائه لمخالفة ربه ويدلل على ذلك بقوله تعالى "من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس". فالوسوسة فسرت على أنها الصوت الخفي الذي لا يحس فيحترز منه أو الإلقاء الخفي في النفس. وقيل أن الوسوسة غالبا ما تكون كلاما يكرهه الموسوس و ذلك يؤدى إلى صرعه. وقد تكون الوسوسة كلاماً تميل إليه النفوس والطبع، كالرغبات والأماني المكبوتة التي لا يستسيغها العقل. وقد قيل في بعض كتب التفسير أن الشيطان يدخل جسم ابن آدم لأنه جسم لطيف أو رقيق ليوسوس له اى يحدث النفس بالأفكار السيئة التي تقود إلى المعصية. ويستدل على ذلك بالحديث الشريف " أن الشيطان يجرى في الإنسان مجرى الدم."
العلم الحديث يعطى شرحاً آخر لهذه الوسوسة التي يعانى منها كثير من المرضى النفسيين لا دخل للشيطان فيها وسنأتي على ذكرها لاحقاً بمزيد من التفصيل في الجزء الثاني من هذا المقال.
طرد الشيطان بواسطة المشايخ
اخراج الجن بواسطة المشايخ - عن قناة العربية-
الاعتقاد بأن الجن أو الشيطان يؤدى إلى الصرع أو الجنون لدى الإنسان أدى إلى ظهور معالجين كثيرين من المشايخ والمطوعين بعضهم عن نية صادقة والبعض كوسيلة للكسب السريع. غالباً ما يكون التشخيص بالتلبس بالجن إذا كانت تبدر من المصاب حركات وتشنجات وكلاما مبهماً أو بذيئاً أو نوبات إغماء تشبه النوبات الصرعية. أما إذا ما كان المريض يشتكي من اضطرابات نفسية تلعب العاطفة دورا بارزا فيها مثل الحزن أو القلق أو الغضب أو المخاوف الشديدة أو الشعور بالذنب أو عدم الثقة أو فقدان الشهية للأكل أو الجنس أو المتعة في الحياة أو العمل، فالتشخيص غالبا ما يكون المرض نتيجة لعين أو سحر أو عمل أو حسد.
إخراج الجني عند المشايخ الملتزمين بالدين يكون بأساليب مختلفة كالدعاء والذكر وقراءة المعوذات وآية الكرسي، و هذه الأساليب يعتقد أنها تؤثر سلباً على الجني أو الشيطان و تؤدي إلى طرده من جسم المريض. بعض المعالجين يلجئون إلى أساليب مباشرة للتعامل مع الجني العنيد وذلك بانتهاره وسبه ولعنه و أمره بالخروج فأن لم يأتمر كان نصيبه الضرب بالعصي غالبا تحت الأرجل حتى يصيح ويصرخ. والاعتقاد هنا أن المصر وع لا يحس بالألم بل الجني هو المتألم والذي غالبا ما يترك المصر وع قهرا ولكن قد يعود مرة أخرى ويتطلب ذلك مراجعة المعالج مرة أخرى.
الحقيقة أي عمل مؤذي كالضرب يعاني منه المريض شخصياً فهو يبكي ويطلب الرحمة ولكن الشيخ لا يبالي لأنه يعتقد أن الذي يعانى ويصرخ هو الجني ويستمر في الضرب إلى أن يغمى على المريض أحيانا أو يسعفه ذكاءه فيستجيب لما يطلبه منه الشيخ. وكم من مريض مات نتيجة الضرب أو التجويع أو التعرض لعوامل طبيعية ضارة بالصحة.
المعروف أن بعض المرضى عندما يكونون في حالة غيبة أو تغيير في الوعي نتيجة لنوبة" اضطراب تفككي أو تلبسي " قد لا يستجيبون للمؤثرات الخارجية مثل الشعور بالألم فيعتقد عندها خطأ أن عدم استجابتهم تعنى أن الجني هو الذي يحس بالألم وليس المريض الذي لا يبدي أي تأثر واضح بما يحدث له في تلك اللحظة ولكن قد يلاحظ عليه اثر الأذى عندما يستعيد كامل وعيه.
هل هنالك اتفاق ديني على التلبس؟
طائفة المعتزلة وبعض الطوائف المسلمة تنكر دخول الجن بدن الإنسان المصر وع لاستحالة دخول روحين جسداً واحداً. ويوجد بيننا الآن عدد من العلماء المسلمين المعاصرين الذين يجاهرون برأيهم هذا غير عابئين بوصفهم زنادقة أو كفار.
في هذا الموضوع يقول احدهم: "إن كلمة لبس أو لمس لم ترد في القرآن أو السنة. والمس كما جاء في قوله سبحانه وتعالى "كالذي يتخبطه الشيطان من المس." وكذلك قوله تعالى " أنى مسني الشيطان." لا يعنى دخول الجني جسم الإنسان وإنما هي وسوسة زائدة منه تسبب التخبط أو الصرع. فالإنسان لضعفه يصرع عند سماعه للوسوسة التي هي همس بما تكرهه النفس أو ما يغضب الله".
الملاحظ هنا أن في كلا الحالتين يكون الشيطان مسئولا عن المس أو التخبط إلا أن الاختلاف في الكيفية فالفئة الأخيرة تعتقد أن الصرع نتيجة وسوسة الشيطان وليس دخول الشيطان فعلياً بدن المريض.
شاهد من أهلها
اخراج الجن بواسطة المشايخ - عن قناة العربية-
قبل عدة سنوات كتب احد المعالجين بالقرآن مقالاً في إحدى الصحف أنه لسنوات كان يعالج المرضى بالقرآن مرجعاً أغلبها للتلبس بالجن أو الحسد أو العين أو السحر، ولكنه عندما اطلع على كتب علم وطب النفس تأكد لديه أن الحالات التي كان يعالجها موصوفة بدقة أكبر في تلك الكتب وأنها تستجيب للعلاج عند الطبيب النفسي بصورة أشمل وأسرع. و من يومها ودّع مهنته للأبد وصار ينصح مراجعيه بمراجعة الأطباء لأنهم يستطيعون أن يشخصوا الحالة ويعالجونها أحسن منه. ولو كان العلم متقدما في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لوجّه المرضى نفس الوجهة مع تدعيم للعلاج الطبي بالقرآن والدعاء . والرسول نفسه ذكر أن" لكل داء دواء إلا الهرم"
أعداد متزايدة من علماء المسلمين الآن يؤمنون بالمرض النفسي والعقلي بجانب المرض العضوي ويؤمنون كذلك بالعلاج الطبي لهذه الأمراض وفي السودان كثير من المشايخ الذين يقصدهم المرضى النفسيين لهم علاقة قوية مع الأطباء النفسيين المحليين إذ أنهم يرسلون الحالات المرضية إلى هؤلاء الأطباء ومن ثم الدعاء على هذه الأدوية وأمر المريض أن يتعاطاها على حسب نصائح الطبيب. وهذا الأسلوب فعّال للغاية إذ أن العلاج الطبي مدعم بالعلاج الديني مع التأكد من التزام المريض بالعلاج.
التقدم العلمي الكبير في نهاية القرن الماضي في العالم الغربي أسهم كثيراً في انحسار الاعتقاد الذي كان سائداً هناك بتلبس الشيطان للإنسان وإصابته بالمرض عقلياً كان أم عضوياً وانحصر هذا الاعتقاد في الكنيسة وأتباعها وقلة في المجتمع. الآن يوجد تصنيف معترف به عالمياً لوصف وتسمية لغالبية الحالات المرضية التي كان يعتقد أن للشيطان دور في إحداثها كما انه الآن توفرت المعالجات الطبية المتنوعة للسيطرة عليها.
بالمقابل استمر هذا الاعتقاد في دول العالم الثالث ليومنا هذا نسبة لتعمق التأثير الديني والتراث الاجتماعي/ الثقافي ولعدم مواكبة النهضة العلمية وضعف التثقيف العلمي والطبي.
الوصف الشائع للمتلبس بالجن أو الشيطان هو أنه شخص غريب الأطوار والهيئة تبدو عليه تشوهات أو التواءات جسدية وقد يتفوه بكلمات غريبة أو غير مفهومة أو بذيئة أو يتحدث بلغة أجنبية وله قوة خارقة. وهو لا يأنس بالإنسان وتخيفه الرموز الدينية. وذكر أيضاً أنه يستطيع أن يسكن جسده بحيث يبدو كأنه ميت أو فاقداً للوعي نسبة لإبطائه لتنفسه وضربات قلبه وشل حركة جسمه وعدم استجابته للمؤثرات الخارجية. وذكر عنه انه قد تعتريه تشنجات أو انتفاضات عضلية حركية مفاجئة أو تنتابه نوبات من العواطف القوية كالغضب فيثور ويؤذي ويدمر ما حوله.
الغريب في الأمر أن أغلبية هذه الأعراض يمكن معاينتها لدى المريض النفسي أو العصبي أو العقلي ولكن ليس بالضرورة كلها مجتمعة ولكن على حسب التشخيص الطبي الذي يمكن الوصول إليه بعد الاضطلاع على التاريخ المرضي والكشف ألسريري وإجراء الاختبارات النفسية أو المعملية اللازمة. وسوف أذكر أهمها تحت ثلاث تصنيفات باختصار شديد.
A - أمراض عصبية:
 “neurological illnesses

مرض الصرع:

تلبس ام حالات مرضية نفسية ؟
مرض شائع بين الأطفال ومن أشهره الذي يتصف بالنوبات الكبرى الفجائية التي يفقد فيها المريض وعيه ثم تنتابه تشنجات عضلية عامة تعقبها انتفاضات عضلية شاملة وقد يخرج الزبد أثناءها من فمه أو يتبول على نفسه أو يقطع لسانه بأسنانه قبل أن يسكن جسده ليفيق بعدها المصاب بدقائق بدون أن يعي ما حدث له أثناء النوبة.
هذه النوبات يمكن رصدها بوضوح عن طريق تخطيط الدماغ ويمكن السيطرة عليها بمضادات الصرع.
وقد تحدث هذه النوبات في وقت لاحق من العمر نتيجة لإصابة في الدماغ ويمكن تشخيصها ومعالجتها طبياً.

مرض دي لا توريت “de la Tourtte ”:

هنا تنتاب المريض نوبات من النعرات الصوتية والحركية بشكل مفاجئ تسبب له كرباً شديداً. النعرة هي صوت أو انتفاضة حركية فجائية تنبعث بصورة غير إرادية قد تربك أو تخيف الحاضرين. أحيانا تكون الأصوات ألفاظ بذيئة أو سب يعتقد المجاور للمريض انه المقصود بها.
لذلك قد يعتقد أن الشخص به مس من الشيطان.
B- أمراض عقلية:
mental illnesses

مرض الفصام:

مرض عقلي معروف عالمياً ويمكن تشخيصه بسهولة والسيطرة على إعراضه بمضادات الذهان.
المريض باختصار يفتقد إلى البصيرة والاتصال بالواقع وتتكون لديه معتقدان خاطئة أو توهمات قد يكون منها انه نبي مرسل لهداية البشرية أو ملك أو أن جنياً يسيطر على جسده ويتحكم في حركاته وتصرفاته. وقد تنتابه هلاوس سمعية أو بصرية يدرك معها أشياء لا وجود لها. بعض المرضى يظهرون أعراضاً كتتونية منها وضع أجسادهم في أوضاع غريبة وشاذة لفترات طويلة أو تتخشب أجسامهم. وفي بعض الأحيان يدخلون في حالة غيبة لا يتحركون أثناءها ولا يستجيبون لأي مؤثر خارجي، أي حالة سكون بدني كامل. وفي بعض الأحيان يكونون في حالة إثارة هوجاء قد يدمرون أو يؤذون من حولهم.
التصرفات هذه غالباً ما يعتقد أنها من فعل الشيطان. وكل حالات الفصام تعتبر مسا بالجن.

مرض الهوس والاكتئاب الذهاني:

كما ذكرت في مرض الفصام قد يظهر المريض توهمات أو هلاوس بالإضافة للأعراض الكتتونية. ويكون المريض مكتئباً بشدة أو متهيجاً يصعب السيطرة عليه.
C- أمراض نفسية:
psychological illnesses

اضطراب الكيان ألتفككي “identity disorder ”:

كان يعرف سابقاً باضطراب الشخصية المتعددة.هنا يتكون للمريض كيانان أو شخصيتان أو أكثر تبدوان من وقت لآخر عندما يكون المريض تحت ضغوط نفسية شديدة أو يعاني من حالة صراع مؤلمة. كل شخصية قائمة بذاتها من ناحية الإدراك والتفكير والذاكرة والذات ولا تدرك شيئاً عن الشخصية الأخرى وهنا قد يعتقد أن الشخص متلبس بالجن عند تقمصه الشخصية غير المتعارف عليها.

الاضطراب التحولي “conversion disorder ”:

في هذا الاضطراب يوجد قصور في الوظيفة الحركية أو الحسية توحي بوجود مرض طبي عام أو عصبي. يحدث ذلك عندما يعاني المريض من ضغوط أو صراع قوي.
الأعراض الحسية تشمل فقدان الإحساس أو النظر أو السمع، أما الحركية فتشمل نوبات اختلاجية أو شبه صرعيه قد تفسر على أنها من فعل الجن أو الشيطان.

الاضطراب ألتفككي “dissociative disorder ”:

هنا تحدث للمريض نوبات انشطارية حيث تتفكك القدرات العقلية من إدراك وذاكرة وتفكير والإحساس بالذات والوعي قد تكون مصحوبة بحركات أو تشنجات لا إرادية وتفوهات مبهمة يكون أثناءها المريض مضطرب الوعي. لذلك تعتبر الحالة مسا من الجن.
مثال: شابة جالسة بين أهلها فجأة تسقط على الأرض وتبدو عليها تشنجات أو اختلاجات حركية وتتفوه بكلمات غير مفهومة إلا أنها ليست غائبة الوعي تماما بل مشوشة ولا تستجيب لمن حولها. قد تسكن الحركات العضلية إلا أن المعنية قد تستمر في حالة تشويش في الوعي والتفكير لفترة. وقد تتكرر هذه النوبات في مواقف مختلفة.
قد يعتقد أن هذه الحالة نتيجة المس أو الصرع بالجن. والحقيقة أن هذه الشابة كلما تعرضت لصراع أو ضغط نفسي غير محتمل بالنسبة لها أو غير قادرة على حله أو التعامل معه تدخل في هذه النوبة هرباً من الموقف وحلاً مؤقتاً للصراع.
أرجو أن انوه أن هذه ليست حالة صرع عصبية كبرى ويمكن التفريق بين الاثنين بسهولة بواسطة المتخصص.

الاضطراب ألتفككي ألحلولي “Trance possession ”:

في بعض الأحيان الاضطراب ألتفككي أعلاه قد يأخذ منحى آخر بأن يعتقد المريض أن جنياً قد حل به أو تقمصه وكل ما يبدر منه هو بفعل الشيطان.
هذه الحالات تلعب المعتقدان الثقافية والدينية دوراً كبيراً فيها لأن المجتمع الذي يعيش فيه المريض يؤمن بحلول الجن جسم الإنسان. الفرق بين هذه الحالات ومرض الفصام أن هذه الحالات تظهر على المريض من وقت لآخر يكون بينها طبيعياً، وهنالك تشوش في الوعي أثناء النوبة. والأهم من ذلك لا يوجد تدهور واضح في أداء المريض المهني أو الاجتماعي أو في شخصيته بين النوبات.
اذكر في هذا المجال أن أسرة عمانية أحضرت لي ابنتها الشابة على أن الجني يسكنها ومن وقت لآخر يصرعها فيفقدها رشدها وينتفض كل جسمها ويتحدث بلسانها. وقد أخذوها لمعالج محلي الذي أكد أنها مسكونة بالجني ولكنه فشل في إخراجه من جسدها. أيدت الشابة ما ذكره الأهل وزادت على ذلك بأنها تستطيع استدعاء الجني داخلها لتؤكد لي ما تقول. وفعلاً قامت بالتحديق لفترة في الفضاء أمامها وبعد لحظات بدا بعض التغيير في وعيها وجحظت عيناها وابتدأت ترتجف وتنتفض بأكملها وتهذي بكلمات غير مفهومة. عندها ابتدرتها بسؤالي" من أنت؟" ولدهشتي أجابت الشابة " أنا حيروف."وبسؤالي ماذا يفعل بالصبية، ذكر انه يحرسها ليمنع زواجها من شخص تقدم لزواجها لأنه يحبها ولو أصر الأهل فسوف يقتلها. وفجأة سكنت حركاتها وشيئاً فشيئاً استعادت كامل وعيها, وعند سؤالي لها إذا ما كانت تدري ما حدث لها أجابت بالنفي.
أكد لي الوالد موضوع الخطوبة وبسبب مرض الابنة أجّلوا العرس مرات عديدة. عندها طلبت من الأسرة أن تتركني مع الابنة لدقائق وبعد مغادرتهم الغرفة علمت من المريضة أنها لا تريد الزواج من هذا الشاب بل من آخر إلا أن الأهل رفضوه. وذكرت أن الجني يصيبها كلما تم تحديد موعد للزواج.
هنا اتضح لي أن أمامي حالة اضطراب تفككي تحولي نتيجة لضغوط الأهل في تزويجها ولأنها لا تستطيع الممانعة تحول الصراع داخلها إلى هذه النوبات التي تؤدي إلى التأجيل. واستفادت الشابة بصورة غير واعية من هده النوبات للدرجة التي كان فيها بإمكانها إحداث النوبات ذاتياً وذلك بإدخال نفسها في حالة غيبة انشطارية مصاحبة بالحلول.
قمت بشرح الأمر للوالد وأوضحت له أن مرضها سببه عدم رغبتها في الاقتران بذلك الشخص وأكدت لهم أن المرض سيختفي عند تأكيد الأمر لها. فعلاً أكد الوالد أن الابنة لم تعطهم موافقتها ووعد بأن لا يزوجها ضد رغبتها.
بعد حوالي شهر مرّ على والد الشابة لوحده وذكر أن المرض اختفي نهائياً وان البنت في صحة جيدة وتستعد للزواج من شخص آخر تقدم لها وارتضت به.
مثل هذه الحالات تحدث بكثرة في المجتمعات الريفية وخاصة تلك التي تعتقد بمس الجن ونسبة لأن المريض يؤمن سلفاً بهذا الاعتقاد أو يقوم المعالج بالإيحاء له بذلك وهو في حالة غيبة نفسية فسرعان ما يفعل العقل الباطني ذلك الإيحاء فيؤدي المريض الدور المطلوب بصورة مسرحية دراماتيكية بدون وعي منه.
بعض المعالجين الروحانيين يستطيعون بالممارسة أن يحدثوا ذاتياً هذه الحالة في أنفسهم أو في وسيط متعاون معهم موهمين الحضور أنهم يتصلون بالجن لمعرفة بعض الأشياء الغيبية المتعلقة بالمريض. وكذلك يستطيعون إحداث الحالة عند المريض مستغلين قابلية المريض العالية للإيحاء واعتقاد المريض القوي في قدرتهم على إخراج الجن من أجسادهم.

اضطراب الوسواس القهري “obsessive compulsive disorder ”:

يتصف هذا المرض بوساوس في شكل أفكار أو صور ذهنية أو نزعات مكررة ومستمرة يعيشها المريض من آن لآخر. هذه الوساوس تكون متطفلة وسخيفة أو ساذجة أو كريهة فارضة نفسها على مخ المريض الذي قد يحاول تجاهلها أو كبتها أو تحييدها بأفكار أخرى أو أفعال بدون جدوى وهو يدري أنها من نتاج ذهنه, أي ليست مفروضة عليه من الخارج. وهذه الوساوس تسبب للمريض قلقاً وكرباً شديداً وتنغّص عليه حياته وتؤثر على وظائفه المهنية والدراسية والاجتماعية.
غالباً ما تكون هذه الوساوس ذات طبيعة جنسية أو عدوانية كريهة ومقززة أو أفكار تشككية تستدعي تكرار الفعل أو إعادته مثلاً الغسيل والوضوء، أو المبالغة في التدقيق والترتيب والتنظيم. أو أفكار بتوقع شي مخيف يحدث له أو لشخص عزيز عليه وذلك يزيد من رعبه. التشكك في المسائل الدينية أو الذات الإلهية من أبغض هذه الوساوس للمريض.
علمياً تعزى هذه الوساوس لأسباب وراثية و بيولوجية ونفسية والمريض يدرك أنها من نتاج دماغه وغير مفروضة عليه من الخارج إلا أن التفسير الديني لها والمتقبل من غالبية العامة أنها مس أو وسوسة شيطان تجري في دم المريض لتصل لقلبه فتؤلمه أو قد تتسبب في صرعه إن لم يطيق تحملها.
يعتبر" فرويد" القلق العصابي كصراع لا شعوري بين رغبات " ألهو" الجنسية والعدوانية من جانب وبين رغبات "الأنا" و" الأنا الأعلى" والتي تميل إلى المثاليات وعالم الواقع من جانب آخر. فالتعبير عن رغبات الفرد المكبوتة في اللاوعي بصورة واعية تشكل تهديداً لكيان الفرد لأنها تتعارض مع معايير المجتمع الدينية والثقافية ومثل وأخلاقيات الفرد.
"الأنا" الناضج يستطيع باستغلال آليات دفاعه المختلفة ومن أهمها" الكبت" السيطرة على هذه الرغبات والنزعات والأفكار الغير متقبلة مع إخفائها في العقل الباطني. ولكن أحيانا تضعف عملية الكبت هذه عندما يسترخى العقل الواعي ولذلك تجد هذه الرغبات أو النزعات طريقها لوعى الفرد في شكل أفكار منها الجنسي والعدواني، ألا أن الأنا سريعا ما يستعيد عملية الكبت مرة أخرى فتختفي هذه الأفكار والرغبات الحيوانية عن وعى الفرد. ولكن كثيرا ما تجد هذه الأفكار والرغبات الحيوانية طريقها إلى السطح عندما يكون الأنا في أضعف حالاته لتظهر في أحلام اليقظة أو في أحلام الليل.
المريض الموسوس يتميز بهذه الصراعات الغير واعية أو المكبوتة التي تجعله يعيش في حالة قلق شبه مستمر تضعف من عملية الكبت ولذلك تجد هذه النزعات والأفكار طريقها للخارج لوعي الشخص في شكل وساوس قهرية أو نزعات أو خيالات ذات محتوي جنسي أو عدواني أو شكوك ومخاوف بصورة مستمرة تؤذي أو تزعج الفرد و لذلك يحاول مقاومتها أو تحييدها أو تجاهلها بدون جدوى.
قد يتساءل الطبيب النفسي لماذا تستجيب هذه الوساوس في كل أنحاء العالم للعلاج النفسي المتكامل؟. و لماذا يوقف الشيطان وسوسته بدون قراءة قرآن على المريض غير المسلم؟ وكذلك لماذا لا يستجيب هذا الشيطان في أغلب الأحيان للمطوّع أو الشيخ؟
 -Dأمراض وراثية:
hereditary diseases
كثير من الأمراض الوراثية التي قد يولد بها الفرد تكون مصاحبة بتأخر عقلي أو انخفاض شديد في الذكاء مع تشوهات خلقية في الأجزاء البارزة من الجسم مثلاً الجمجمة والأذنين والمنخر والعينين والرجلين والذراعين. أو يكون أبكماً أو فاقداً للسمع أو النظر مما يجعله مخيف المنظر ويتصرف بغرابة.
هؤلاء المرضى قد يعتقد أن الجن يسكنهم أو هم من أهل الجن.
-----------------------------------------------------------------------------------

الأسباب العلمية للمرض النفسي:

يمكن تعريف المرض النفسي على أنه مرض يسبب اضطراباً في التفكير والإدراك والسلوك والعواطف. وفي حالة كونه شديداً يحد  من قدرة المريض على مواجهة متطلبات حياته المهنية والأسرية والاجتماعية وحتى متطلباته الشخصية من العناية بجسمه ومظهره وإطعام نفسه أو حمايتها من الأخطار.
في أخطر الحالات قد يفقد المريض بصيرته ويفقد تماماً الاتصال بالواقع وإدراك الخطأ من الصواب نسبة للاضطراب الشديد في ملكاته العقلية، أي يصل مرحلة فقدان العقل أو الجنون تحديداً . عندها يكون قد رفع عنه القلم ولا يعتبر قضائياً مسئولا عن تصرفاته ولكن لا يمنع ذلك من اتخاذ وسائل تمنعه من الإضرار بالنفس أو الغير مستقبلاً مثلاً حجزه بمأوى يقوم بعلاجه ورعايته .
بالرغم من أن السبب الرئيسي لأغلبية الأمراض النفسية والعقلية غير معروف بالتحديد إلا أن الأبحاث الطبية أكدت أن مجموعة من العوامل البيولوجية والسايكلوجية والبيئية لها دور في حدوث المرض. بعض هذه الاضطرابات ربطت بعدم توازن أو اختلال بكيميائيات معينة في المخ تسمى الموصلات العصبية. هذه الموصلات تساعد خلايا الدماغ في التواصل بينها وأي اختلال في هذا التوازن في هذه الموصلات من ناحية الكم والنوع والكيف قد يؤدي إلى عدم انسياب الرسائل أو الإشارات بين الخلايا بصورة طبيعية.مؤدياً لظهور الأعراض المرضية.

الأسباب البيولوجية:

1- الوراثة 2- التهابات المخ 3- إصابة المخ قبل وأثناء وبعد الولادة أو قصور في نموه 4- سوء التغذية  5- التعرض للسموم مثل الحديد.

الأسباب السايكلوجية:

1- اعتداء جنسي أو بدني قاسي في مرحلة الطفولة.
2-حرمان أو إهمال عاطفي أو بفقدان الأم..
3- صعوبة في الانتماء للآخرين
4- الشعور الدائم بعدم الفاعلية مع اعتبار ذات ضعيف وثقة بالنفس متدنية.

الأسباب البيئية:

تشمل السكن والغذاء والفقر والحرمان واستعمال الكحول والعقاقير الضارة بالعقل.
كما هو واضح فلا يوجد سبب أكيد واضح للمرض ولكن يعزى لعدة عوامل مجتمعة والعلم عند الله سبحانه وتعالى لو كان للشيطان دور في الأمر عن طريق المس أو الوسوسة ولكن العلم لا يؤيد ذلك.
إضافة لما ذكر أعلاه أنا أستطيع أن أجزم بأنني طيلة دراستي وعملي بحقل الطب النفسي لم تمر علي أي حالة مرضية شككت أنها لا تخضع لمعايير التشخيص للأمراض النفسية وكذلك لم اسمع عن طبيب نفسي شخّص إحدى حالاته بأنها تلبّس بالجن وليست مرضاً نفسياً. هذا لا ينفى إن فئة من الأطباء والمعالجين النفسيين ابتدعت معالجات نفسية خاصة تحت التنويم لمعالجة هؤلاء الذين يؤمنون بدور الجن أو الأرواح في أحداث ما يعانون منه. و يعطى المعاني وهو في حالة غيبة تنويمية إيحاءات بأن الجني أو الروح قد غادرت جسده وبذلك هو في سبيله للمعافاة من أعراضه.